المياه والأمن القومي العربي
أطماع إسرائيل في مياه لبنان وسوريا والأردن
(الجزء الثالث)
بقلم الكاتب والباحث/ محسن الخزندار
إن ما يثير القلق هو ذلك الضجيج الذي يثار حول الحروب المقبلة من أجل الذهب الأبيض في الشرق الأوسط, وحول الإدعاء بأن السنوات العشرين القادمة, ستكون سنوات الماء بعدمـا كانت السـنوات السابـقة سنوات النفط مع ما يستبطن ذلك من ترويج لمنطق القوة والاحتلال.
وعلى ذلك فان خريطة المنطقة في نظامها الإقليمي الجديد, سترسم وفقاً للخريطة المائية, وإن الأمن القومي العربي الشامل لن يكون ممكناً بمعزل عن الأمن المائي.
فالمعطيات الجغرافية والمناخية والسكانية للبنان أولاً في فصل الأمطار يقتصر على خمسة أشهر في السنة وعلى ما مجموعه نحو 90 يوماً ماطراً, بينما يسود الجفاف الفترة المتبقية.
و كذلك المصادر المائية السطحية والجوفية تقتصر على التساقطات السنوية فوق الأحواض المائية الداخلية, وبالتالي فإن متوسط ميزان الأمطار السنوي يقدر بـ8.6 م3, يتبخّر منها النصف, ويسيل الربع نحو البحر ونحو البلدين المجاورين سوريا وإسرائيل.
يعتبر نهر الليطاني من أهم الأنهر اللبنانية الذي تبلغ مساحة حوضه 2168 كلم2 وطول مجراه 170 كلم، وتصريفه الوسطي عند المصب 793 مليون م3/سنة.
ويشكل هذا النهر العصب المائي للبنان وترتكز عليه مخططات الإنماء المائي ¬ الزراعي المتكامل لمناطق البقاع الجنوبي وجنوب لبنان لري مساحة 54 ألف هكتار ولتزويد 264 بلدة وقرية يبلغ مجموع سكانها الحالي 794 ألف نسمة, أي نحو خمس سكان لبنان.
ولقد جرى تجهيز واستثمار القسم العادي من هذا النهر بإنشاء سد القرعون "220 مليون م3" ومجموعة مساقط الطاقة الكهربائية الثلاثية المرتبطة به منذ الستينات.
ويتابع لبنان تنفيذ مشروعات الري ومياه الشرب المخططة من مصادر الليطاني العليا هذه, لينفذ تجهيز القسم الأوسط بإنشاء سد الخردلة "128 مليون م3" ومشروع الري التابع له.
ظلت النزاعات القائمة حول مسألة المياه بين إسرائيل وكلاً من سوريا ولبنان, تتمحور حول مصادر مياه الجنوب اللبناني والجولان وعلى نهر الأردن, وكانت في صلب أسباب الحروب والتعديات منذ قيام دولة إسرائيل.
والآن أصبحت إسرائيل تؤمن حالياً الجزء الأكبر من احتياجات المياه من خارج حدود حرب حزيران 1967, وتتأتى مصادر المياه هذه من التغذية الجوفية من جنوب لبنان والجولان. وهكذا, فإن معادلة الأرض مقابل السلام وعمق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة, يحكمها شرط استراتيجي إسرائيلي هو الحفاظ على السيطرة على منابع نهر الأردن.
وعلى ذلك فان الأمن المائي الإسرائيلي, ضمن تنامي العجز, مرتبط بالاحتفاظ بالسيطرة على مصادر مياه الأردن العليا.
وعليه فإن الأطماع الإسرائيلية في المياه اللبنانية أبعد من أن تكون ظرفية بل هي في صلب الإستراتيجية الإسرائيلية التي جرّت خلال نصف القرن المنصرم وحتى اليوم الكثير من الحروب والاعتداءات على لبنان.
في الواقع إن إسرائيل تستأثر بكامل كمية تصريف نهر الحاصباني- الوزاني، ومن ضمنها حصة لبنان القانونية, وقد سيطرت بفعل الواقع الأمني الذي فرضته على القسم الأوسط من مجرى نهر الليطاني، مما منع لبنان من تنفيذ مشروعه للتخزين والري على هذا القسم.
ادعت إسرائيل أن الترابط الجوفي بين حوضي الحاصباني (نهر دولي) والليطاني (نهر داخلي لبناني بالكامل) تدعيماً لأطماعها في مياه الليطاني, ولقد دحض لبنان هذه المقولة بالاسنادات الجيولوجية والهيدرولوجية.
وكان على لبنان التصدي للمخططات الإسرائيلية, لأن مصادر المياه المتاحة لديها محدودة وآفاق العجز المائي مرتقبـة في المنظــور القريب, وعليه يجب تقـف السلطــات اللبــنانية موقفـاً قانـونياً حازماً لجـهة الحفاظ على الثروة المائية الوطنية ولجهة إزالة الاحتلال الإسرائيلي أرضاً ومـياهـاً, إلى جانب استمرارها في مخططــات تنمية مصادر المياه والتربة في حوضي نهـري الليطاني الأوسـط والأسـفل والحاصبـاني والوزاني.
وعلينا أن نعرف أن احتياجات إسرائيل المائية الحالية والمستقبلية وحاجتها الماسة لمياه الأنهار الموجودة في لبنان والجولان لأغراض التوسع والاستيطان وجلب المزيد من المهاجرين الجدد، قد بلغت بحدود 2.1 مليار متر مكعب - ضمنها 80 مليون م3 للفلسطينيين و 50 مليون م3 للأردن، ومن المتوقع حسب معطيات شركة مكوروت، (أكبر شركة مياه في إسرائيل) أن تصل هذه الكميه إلى 2.8 مليار متر مكعب عام 2020. وتتزود إسرائيل باحتياجاتها المائية من ثلاث مصادر:
أما المياه الطبيعية فتحصل إسـرائيل عليها من ثلاثة مصادر رئيسية وهي:
-الخزان الجوفي الغربي "الساحل".
إن كل من هذه المصادر تزوّد إسرائيل بما يقارب الثلث من احتياجاتها المائية، ولكن بما أن البحث يدور حول الجولان المحتل بطاقته المائية ومكانته في إستراتيجية مفهوم "الأمن القومي"، سيتم التركيز على أهم مصادر إسرائيل المائية، ألا وهو بحيرة طبريا.
- بحيرة طبريا
تبلغ مساحة بحيرة طبريا 170 كم مربع، أما سعتها المائية فتبلغ 4.30 مليار متر مكعب في أعلى مستوياتها، (وهو ما تسميه سلطات المياه الاسرائيليه "الخط العالي" ويقع على ارتفاع 208- م عن سطح البحر)، وفي أدنى مستوياتها عند "الخط الأحمر، (وتقع على ارتفاع 213- م عن سطح البحر ) تبلغ سعة البحيرة 3.60 مليار م3، وبناء على هذا التعريف " الخط الأحمر"، تحدد السلطات الإسرائيلية قدرة بحيرة طبريا على التخزين الفعلي بـ 700 مليون م3 ، الفارق بين "الخط الأعلى" و" الخط الأحمر"- فقط.
تتجدد الثروة المائية في البحيرة من المصادر المائية التي تصب فيها، وأهم هذه المصادر:
-الحاصباني: ينبع من لبنان عند بلدة حاصبيا، ويمتد بمقدار 21 كم في الأراضي اللبنانية ثم يخرج منها إلى فلسطين/ إسرائيل ليتصل بعدها بنهر الأردن، يبلغ معدل التصريف السنوي لنهر الحاصباني نحو 150 مليون متراً مكعباً، أما مساحة حوضه فتبلغ 526 كم مربع وتساوي 38% من مساحة حوض نهر الأردن الأعلى ( 1380 كم مربع)، وتشكل المنحدرات الغربية لجبل الشيخ مصادره الرئيسية لتغذيته بالماء.
-نهر بانياس: وينبع من قرية بانياس السورية في الجولان المحتل ويبلغ طول مجراه نحو 9كم، منها 2 كم في سوريا، ويبلغ تصريفه السنوي 120 مليون متراً مكعباً، أما مساحة حوضه فتبلغ 158 كم مربع.
-نهر اللدان (دان): هو أحد روافد نهر الأردن الرئيسة وينبع من سفوح جبل الشيخ, إلى الغرب من قرية بانياس السورية من منطقة تل قاضي، ويبلغ معدل تصريفه السنوي من المياه 270 مليون متراً مكعباً، يلتقي اللدان مع نهر بانياس بعد 4كم من قرية منصورة الفلسطينية (المدمرة) ثم يتحد بعد ذلك مع نهر الحاصباني ليشكلوا الثلاثة بداية نهر الأردن.
بالإضافة إلى ذالك، يتغذى نهر الأردن في جزئه الشمالي بـ 20 مليون متر مكعب من الوديان و 50 مليون متر مكعب من الينابيع، وتتغذى بحيرة طبريا مباشرة بـ 67 مليون متر مكعب من الأمطار المباشرة فوق البحيرة، 6مليون متر مكعب من الينابيع المالحة(بعد التحويل) وما يقارب الـ 100 مليون متر مكعب من سيول الجولان والجليل.
يبلغ طول مجرى نهر اليرموك 57كم منها 47 كم في سوريا، ويشكل جزءا منه الحدود السورية الأردنية إلى أن يدخل (فلسطين المحتلة- إسرائيل)، قبل التقائه نهر الأردن بقليل.
بعد احتلال الجولان أصبحت إسرائيل تسيطر على 50% من مجرى نهر اليرموك، مقارنة بـ 10% قبل الاحتلال.
-حوض بحيرة طبريا (حوض التصريف):
تمتد حدود حوض بحيرة طبريا إلى الشمال حتى حوض نهر الليطاني، وإلى الجنوب حوض اليرموك وإلى الشرق حوض الرقاد، أما جبل الجرمق (ميرون) فيشكل حدوده الغربية.
يمتاز هذا الحوض عن حوض الساحل وحوض الجبال، باستغلال مياهه السطحية بالأساس والتي تصب على مدار السنة في نهر الأردن، بالإضافة إلى جودة مياهه - ملوحة منخفضة، أما مياه الحوض الجوفية فلم يتم استغلالها إلا بكميات قليله: 20 مليون م3 من الجليل الأعلى الشرقي، 13 مليون م3 من الجولان و 30 مليون م3 من غرب بحيرة طبريا.
تبلغ مساحة هذا الحوض 2,730 كم مربع، منها 660 كم مربع يقع داخل الحدود اللبنانية، وإذا أضفنا مساحة الجولان المحتل ( 1158كم مربع )، يتبين لنا أن ما كان يخضع للسيطرة الإسرائيلية من مساحة هذا الحوض قبل احتلال الجولان (عام 1967)، هو ما يقارب 900 كم مربع أي ثلث المساحة الكلية فقط.
تشكل بحيرة طبريا ما يقارب 6% من مساحة الحوض الذي يزودها بمعدل مليار م3 في السنة، يتبخر من هذه الكميه 270 مليون م3، ويتم استغلال 250 مليون م3 في الشمال فيما يتم سحب 450 مليون م3
لم تحتل مسألة المياه أولوية في العقل الرسمي العربي، رغم أنها مسألة حياة أو موت، بالنسبة للدول العربية إلا بعد ظهور خطر سرقة المياه العربية سواء من قبل إسرائيل أو إيران وتركيا، وأصبحت مسألة المياه لا تخلوا منها كل المؤتمرات الرسمية وخصوصا مؤتمرات القمة.
الأخطار الداخلية والخارجية التي تهدد الأمن المائي العربي:
أما بالنسبة للأخطار الخارجية تبدأ من كون منابع الأنهار الهامة موجودة خارج البلاد، تحت سلطة خارجية، مثل تركيا وإيران، ودول أعالي النيل، وحتى لبنان والأردن وفلسطين، فإن وجود إسرائيل يشكل الخطر الأكبر بسبب اعتبارها المياه عنصرا ضروريا من عناصر ديمومته.. وهو يشكل خطرا أكبر من خطر دول المنابع الخارجية.
فلا يمكن أن تتوصل إسرائيل إلى اتفاق في الجولات بسبب المياه، لأن إسرائيل لا توجد لها أي نوع من الضمانات أن تبقي المياه لها لو انسحبت من الجولان.
تعتبر محدودية مصادر المياه والقيود المرتبطة بها، واحدة من المعوقات الأساسية في المناطق الجافة وشبه الجافة، حيث من المحتمل أَنْ يَكُونَ لتلك الظاهرة تأثير هامّ على مجريات التنمية الاقتصادية لدى منظومة بلدان الشرق الأوسط.
وتعد أزمة المياه من أهم الأزمات التي تفتح على الكثير من التساؤلات حول مصير العلاقات الدولية البينية، على اعتبار أن أزمة المياه ربما تشكل سببا مباشرا أو غير مباشر للحروب في المستقبل، وهو ما تحدث عنه بن غوريون في عام 1955 بقوله "إن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل".
ونظراً لأن الماء يعتبر من أهم أجزاء الأمن القومي، فإن معرفة واقع الثروة المائية من حيث مخزونها وإمكانية تجددها، وتنوع مصادرها واستثمارها وكيفية تحسين نوعيتها وضمان توافرها بالقدر الذي يلبي حاجة الاستهلاك البشري، يعتبر المدخل الرئيسي للوقوف على الحجم الحقيقي لأبعاد أزمة المياه في الشرق الأوسط، خاصة وأن تناقص كمية المياه المتاحة من الثروة المائية، وبالأخص مياه الأنهار المشتركة والأحواض الضخمة التي تتأثر بها، انعكس سلبا على الزراعة، وبخاصة على المحاصيل الإستراتيجية المهمة مما يرفع عوامل عدم الاستقرار ويعرض إنتاجها إلى المخاطر.
وحسب تقرير علمي نشرته أخيراً مجلة "دير شبيغل" الألمانية، فإن المنطقة التي تشمل بلدان العراق وسورية والأردن وفلسطين المحتلة إلى تركيا وحتى إيران، قد تتعرض إلى تحولات مناخية خطيرة، تؤدي بدورها إلى جفاف الأنهار بتأثير ارتفاع الحرارة في العالم، وتتحول الأراضي الزراعية بحلول منتصف القرن الحالي إلى صحراء قاحلة، هذا التقرير المتشائم، بات الآن محل بحث ودراسة معمقة في الأمم المتحدة ومنظمات أخرى معنية، لتقديم الحلول العاجلة قبل فوات الأوان.
وتعود ندرة المياه إلى النمو السكاني المتزايد، وعمليات التنمية الصناعية، والاتجاهات العمرانية التوسعية، وسوء الاستغلال للموارد المائية في ظل الثبات النسبي للمياه، كما تحذر كافة الدراسات من المخطط الإسرائيلي لسرقة المياه السورية واللبنانية والأردنية وكذلك محاولاتها للسيطرة على منابع الأنهار.
ويعتبر تقاسم المياه مع دول الجوار واحدة من المشكلات التي تواجه تلك الدول، فهناك مشكلة تقاسم مياه اليرموك، والفرات ودجلة، عدا احتلال إسرائيل للجولان، وحرمان سوريا من واحد من أهم خزانات المياه في المنطقة، إذ يعتبر الجولان المحتل من المناطق الغزيرة المطر، وتمتد فيه فترة الأمطار من شهر أيلول إلى شهر أيار، بمعدل يتراوح بين 1000مم و 450 مم، كما تغطي الثلوج جبل الشيخ، طيلة فصلي الشتاء والربيع، وتقدر كميه مياه المطر التي تتساقط على الجولان بـ1200 مليون متر مكعب سنوياً، يتبخر ما بين 40-50% ويتسرب إلى باطن الأرض حوالي 35%، ويجري الباقي على شكل سيول باتجاه نهر الأردن، وبحيرة طبريا، ونهر اليرموك، ومسعدة.
ولقد قامت إسرائيل بتنفيذ مشاريع لاستغلال المياه في الجولان المحتل لتأمين مياه للمستوطنات وللأراضي المحتلة.
أما عن الكمية المهدورة من المياه، فان «هناك 4 مليارات متر مكعّب تهدر سنويا تتوزّع بين سوريا ولبنان، بالإضافة إلى جزء من الكمية التي تتسرّب من جوف الأرض إلى البحر المتوسّط» من خلال الينابيع تحت البحرية المنتشرة على طول الساحل السوري واللبناني من الاسكندرون وحتى شمال فلسطين.
المصدر:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]30 أكتوبر 2010